المثقف دورٌ تغييري وثورة!

المثقف دورٌ تغييري وثورة!

  • المثقف دورٌ تغييري وثورة!

اخرى قبل 1 سنة

المثقف دورٌ تغييري وثورة!

بكر أبوبكر

في أي مجتمع بالعالم، تتجلى ثقافته المميزة عن غيره تلك الممثلة للسياق المعنوي للحضارة بشقيها المادي والمعنوي، وتظهر الى ذلك ثقافاته الفرعية حكمًا، وتلك التواصلية مع الآخر، وداخل أي مجتمع أو منظمة (تنظيم سياسي وخلافه) تبرز جماعة (أو فئة) محددة من النخبة (الطليعة، الصفوة) المثقفة، التي تتنوع طبيعة علاقتها مع عموم الشعب، ومع النظام الحاكم (أو الإطار القيادي) حسب أيدلوجية وفكر وأهداف أفراد تلك الفئة.

 قد نجد بعض المثقفين الذين يندمجون بشكل كامل مع باقي الطبقات (الفئات المجتمعية) الأخرى بالمجتمع ويصبون جُل اهتمامهم للتعبير عن قضايا الشعب، والأمة، والقضية المركزية، ومعاناة الفقراء والطبقات المهشمة المختلفة..الخ، وفي ذات الوقت، هناك فئة أخرى من المثقفين أوأشباههم الذين يضعون حاجزًا بينهم وبين عامة الشعب، ويهتمون فقط بنسج علاقات براجماتية مع النظام الحاكم أو صناع القرار من أجل الحفاظ على مركزهم الاجتماعي النخبوي والحصول على مناصب رفيعة بالدولة أوالتنظيم السياسي.

الثقافة بكل بساطة هي النسيج الكلي من الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والاتجاهات في مجتمع ما، (أو في تنظيم او جماعة أيضا) وهي كذلك القيم من مقبول ومرفوض، وهي أساليب التفكير وأشكال السلوك والعادات، وطريقة الملابس، ويتم تعلمها بالتنشئة الاجتماعية.

 تتميز الثقافة  كما يشير د.حنا عيسى بأنها اكتساب إنساني يتم عن طريق مفهوم التنشئة الثقافية، وأن الشخص يحصل على الثقافة باعتباره فرد في المجتمع، وهي حقل معقد تتمثل وحداته بما يطلق عليه الصفات أو السمات الثقافية، وهي ذات خاصية مادية ومعنوية معا، وبذا هي عضوية ومكتسبة وتراكمية وقابلة للانتقال بالاحتكاك أي متحركة.  

وبذلك فكل انسان يمتلك ثقافته، وعليه كيف نفهم معنى المثقف؟

فهل المثقف هو الإنسان المتعلم الحاصل على شهادات جامعية؟

أم هو ذاك المتحذلق أوالمختنق بالعبارات المفخّمة والمبالغ بها؟

أم هو ذاك المتقعر بالإدخالات الانجليزية على لغته العربية العظيمة؟ إظهارًا للتميز الغبي؟

أم هو ذاك الحافظ لكثير من المصطلحات الغريبة والمتسامي أو المتعالي عن الناس؟

أم هو ذاك القاريء السطحي لكثير من الكتب والروايات والموضوعات؟

 كما تساءلت ويتساءل المحامي علي أبوحبله في مقاله عن أنواع المثقفين؟

أم هو ذاك الشخص الذي يمتلك رصيداً معيناً من الإنتاج الأدبي والفني أو الأعمال الثقافية الأخرى؟

وللإجابة على تلك التساؤلات فهناك عديد التعريفات التي تناولها المفكرون والفلاسفة حول مفهوم المثقف خلال فترات معينة من التاريخ.

  لكن دعونا نقول أن عديد المفكرين لم يقرنوا صفة المثقف (أو دوره) بامتلاك الشهادات العلمية أو الرطانة أو الحفظ او التسامي على الآخرين.

بل اعتبروا أن المثقف هو الشخص الذي لديه فكر ومنهج ونظرة شاملة لتغيير المجتمع، وهو الذي يعمل لصالح القطاعات العريضة في المجتمع و يتميز بأنه لديه القدرة على النقد الاجتماعي والعلمي ، وبالتالي التاثير والتغيير

 حسب المفكر نعوم تشومسكي فإن المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة.

وحسب إدوارد سعيد أنه: الذي يملك مَلَكة المعارضة، ملكة رفض الركود، و هو الذي لا يرضى بحالة حتّى يغيرها، فإذا غيَّرها بدأ يحلم بمواصلة التغيير.

وحسب محمد عابد الجابري: ذلك الشخص الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط، بل هو صاحب رسالة يبحث عن كشف الحقيقة، ويكون شجاعاً في الدفاع عنها.

لكن عمومًا دعنا نقول أيضًا أن: المثقف المقصود هو إنسان يمتاز عن بقية أفراد المجتمع، بأنه يمتلك فكرًا خاصًا ومشروعًا ومنهجًا واضحًا، ورسالة، وهو ثورة بحد ذاتها لأنه صاحب قضية اجتماعية أوسياسية أو فكرية معينة يهدف من خلاه استثمارها للتأهيل والتعبئة ونشر الوعي داخل المجتمع والتأثير على النظام الحاكم (أوالفئة المسيطرة)، حيث أن أصل المثقف هنا دور، ودور المثقف في المجتمع هو التنبيه أوالتغيير والإصلاح من أجل مصلحة الوطن، والنضال بعيدا عن النفاق السياسي والاجتماعي.

  العلاقة ملتبسة بين الثقافة والمثقف عامة، أوبين الثقافة وذاك الموصوف بالمثقف (واحيانًا يطلق عليهم أنصاف او أشباه المثقفين).

 من المفهوم أن العلاقة بين المثقف والسلطة الحاكمة أو الإطار القيادي، هي علاقة تتسم بالمد والجزر، وتتشكل حسب طبيعة شخصية ذلك المثقف ومقابله القائد السياسي (أكان مثقفًا ام لا) وحسب الأيدلوجية أوالفكرأو المنهج العقلي الذي يميز هذا المثقف سواء كان مؤيد لسياسة النظام الحاكم، أو منهج عمل التنظيم أو معارض لها، وسواء كان ثوريًا وطنيًا مناضلًا في حالة النضال ضد العدو الصهيوني أو كان من القاعدين المثبطين.

يكون المثقفُ دورًا متى ما قام بالدور فيمتلك السِمة أي سمة المثقف لقيامه بالدور، وما ما تخلى عنها تخلت عنه.

في التنظيم السياسي قد نجد انفصام النخبة المثقفة (أو الطبقة السياسية أو الطبقة القيادية...) عن الشعب كما هو الحال في الإطار العربي والفلسطيني، ونجد استنكاف  عجيب عن التعامل مع الناس، أو استصغار شؤونهم، او النظر لهم باستخفاف فيما الأصل في التنظيم السياسي كما أوضحت حركة فتح كمثال في جلّ أدبياتها أن يكون تنظيمًا طليعيًا وجماهيريًا معًا.

إن الثورة الفلسطينية تستقي أفكارها الأولية وجنينية ثقافتها وفكرها وأهدافها من صلب حضارتنا العربية الإسلامية الشاملة والمميزة، ومن أصل الارتباط الجذري بهذه الأرض، ومن الجماهير وتتماهي معها بعد أن تُضفي عليها القيمة المطلوبة من أفكار مجدولة وقيم شاملة، وبذا تقود الجماهير وتتعلم منها وتعلمها وتكون الطليعة الحقيقية وتجعل من مفهوم الثقافة والمثقف أن يكون على منهج ومقدرة ومهارة واسعة في تحدي الاحتلال فكريا وميدانيًا وذو قدرة تحفيزية تعبوية للجماهير، والا فما الغرض من الثقافة الواسعة إن لم تكن ذات أثر عميق في الأشخاص الآخرين وفي مسار الفعل النضالي.

إن الدعوة للبناء الذاتي والتربية والتثقيف ذو الصبغة الفكرية والوطنية والسياسية والحضارية والرسالية هي دعوة ثورية نضالية تشمل كل فئات الشعب، وتلقي عبئًا أكبر على أكتاف من يرون أنفسهم أصحاب فكرة ودعوة ورسالة إصلاحية أو معارضة أو رسالية أوتغييرية أنهم المثقفين الثوريين.

 
 

التعليقات على خبر: المثقف دورٌ تغييري وثورة!

حمل التطبيق الأن